** ربنا جعل رمضان أفضل شهور السنة وجعل الليالي العشر الأخيرة أفضل لياليه وأفضلها ليلة القدر
** الشهر الوحيد الذي جاء ذكره باسمه صريحا في القرآن الكريم شهر رمضان
** شهر رمضان يذكر المسلمين أنهم أمة واحدة فيبادروا بتجسيد ذلك أمرا واقعا
** الصيام يتيح الفرصة لجسد الصائم بأخذ فترة راحة استشفائية لإصلاح إعطابها والتخلص من الدهون والشحوم والسموم
فضل الله - تبارك وتعالى- بعض الرسل وبعض النبيين على بعض، وبعض الأفراد العاديين على بعض، وفضل بعض الأماكن وبعض الأزمنة على بعض, فجعل مكة المكرمة أفضل بقاع الأرض على الإطلاق ، يليها في الفضل مدينة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-, يليها مدينة القدس.
ومن تفضيل الزمان- كما يقول الدكتور زغلول راغب النجار أحد أبرز العلماء المتخصصين في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسُنة النبوية الشريفة- أن ربنا- تبارك وتعالى- جعل يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع, وجعل شهر رمضان أفضل شهور السنة، وجعل الليالي العشر الأخيرة منه أفضل لياليه, وجعل أفضلها على الإطلاق هي ليلة القدر التي جعلها الله- تعالى- خيرا من ألف شهر, وفي ذلك يقول: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ* أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ* رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ*) (الدخان : 3-6 )، وقال – عز من قائل: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ* لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ*) (القدر: 1-5).
والدكتور زغلول النجار له العديد من المؤلفات والبحوث والدراسات والمقالات في القضايا العلمية والإسلامية، والتفسير العلمي للقرآن الكريم، ويسعى لإنشاء وقفية إسلامية لرعاية الباحثين في مجال الإعجاز العلمي، ولفضيلته اسهامات وإضاءات ساطعة وكاشفة ودالة حول شهر رمضان الفضيل ومقاصده وتفرده عن سائر الشهور.
خصوصية رمضان
وحول خصوصية شهر رمضان يقول د. النجار إنه الشهر الوحيد الذي جاء ذكره باسمه صريحا في القرآن الكريم هو شهر رمضان، وذلك تشريفا له لأن الله - تعالى- اختاره من بين شهور السنة لإنزال القرآن الكريم فيه، وهذا الكتاب هو ناسخ لجميع الرسالات السماوية التي سبقت نزوله, ولذلك تعهد ربنا – تبارك وتعالى- بحفظه، في نفس لغة وحيه (اللغة العربية) على مدى أربعة عشرة قرنا أو يزيد, وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتى يبقى القرآن الكريم جامعا للهداية الربانية للخلق أجمعين إلى يوم الدين، وشاهدا عليهم، هذا ما يبينه.
وحدة رسالة السماء
و تعد وحدة رسالة السماء - من الإضاءات التي رصدها د. النجار في معرض حديثه عن الشهر الفضيل- لقول المصطفى (صلى الله عليه وسلم) : "أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان, وأنزلت التوراه لست مضت من رمضان, وأنزل الزبور لثلاث عشرة مضت من رمضان, وأنزل الإنجيل لثماني عشرة خلت من رمضان, وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان". رواه الطبراني وأحمد وابن عساكر عن واثلة بن الأسقع، وقوله- صلى الله عليه وسلم-: "الأنبياء أخوة لعلات ، أمهاتهم شتى ، ودينهم واحد". أخرجه أبو داود عن قتادة.
ويؤكد د. النجار أن تعظيم شهر رمضان ليس لمجرد فرض الصيام فيه على كل مسلم بالغ, عاقل, حر, سليم ومقيم ( ذكرا كان أو أنثى) وإنما كان تعظيم هذا الشهر لسر فيه يشير إليه اختيار الله – تعالى- له لإنزال جميع ما نعلم من الرسالات السماوية فيه، ومن هنا كان تشريع الصيام في شهر رمضان تكريما له وتشريفا، وهذا لا ينتقص من قدر عبادة الصيام عند رب العالمين القائل في الحديث القدسي : " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ..."، رواه الإمام البخاري في صحيحه، ولمكانة هذا الشهر ومنزلته الكريمة ومقاصده النبيله، كان المصطفى – صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه الكرام بمقدم شهر رمضان وذلك بقوله الشريف: " قد جاءكم شهر مبارك, افترض الله عليكم صيامه, تفتح فيه أبواب الجنة, وتغلق فيع أبواب الجحيم, وتغل فيه الشياطين, فيه ليلة خير من ألف شهر, من حرم خيرها فقد حرم" . رواة أحمد و النسائى و البيهقى.
أنواع الصيام
وحول أنواع الصيام وأحكامه وتعريفه يبين د. النجار ان الصيام هو الامتناع عن الطعام والشراب وغيرهما من المفطرات نهارا كاملا من طلوع الفجر الصادق, إلى غروب الشمس, والصيام منه المفروض وهو صيام شهر رمضان أداءً وقضاءً, وهو ركن من أركان الإسلام، ومن الصيام صيام الكفارات, والصيام المنذور, وهناك الصيام المسنون أو المندوب ومنه الصوم في الأشهر الحرم, وصيام ثلاثة أيام من كل شهر قمري, ( ويندب أن تكون الثالث عشر إلى الخامس عشر من الشهر), ويندب كذلك صوم يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع, وصوم ست من شوال مطلقا, كما يندب صوم التاسع من ذي الحجة لغير القائم بأداء الحج. وللقادر على صيام يوم بعد يوم وهو أفضل أنواع الصيام المندوب أن يفعل ذلك، أما الصيام المكروه فهو إفراد يوم الجمعة وحده أو يوم معلوم من أيام أصحاب المعتقدات الفاسدة وحده بالصيام, ومن المكروه وصل صيام شعبان بصوم رمضان، ومن الصيام المحرم صيام يوم العيدين (عيد الفطر وعيد الأضحى ) وصيام أيام التشريق, وصيام المرأة نفلا بغير إذن زوجها, ومنه صيام الدهر, وصوم الوصال (وهو مواصلة الإمساك نهارا وليلا ومنه صوم الصمت (أي الامتناع عن الكلام لفترة طويلة).
الحكمة من الصيام
ومن أوجه الحكمة من الصيام – كما يستعرضها د. زغلول النجار – التقوى والإخلاص والإحساس بالفقير وضبط النفس ومدارسة القرآن و إتاحة الفرصة لجسد الصائم بأخذ فترة راحة استشفائية وتذكيره بوحدة الأمة، وفيما يلي بيان هذه الحكم:
1- تقوى الله, ولذلك ختمت الآية الكريمة بقوله- تعالى-: (..لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ), والتقوى تعرف بالإيمان بالله الخالق, والخضوع لجلاله وحده بالعبودية والطاعة, وخشيته في السر والعلن.
2- زيادة الإخلاص في قلب الصائم بجعل الصيام خالصا لوجه الله- تعالى-, وتقوية الإرادة عنده بمداومة المقاومة لكل من الجوع والعطش, ولغيرهما من الشهوات والمغريات, ولذلك قال- صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " رواه الشيخان ، وقال: "والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب. فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم.... الحديث"رواه البخاري ومسلم. والصوم جنة أي وقاية من المعاصي ومن النار. فعلى الصائم أن يحرص على غض البصر, وستر البدن, وكف الأذى عن الناس.
3- إشعار الأغنياء بما يعانيه الفقراء والمعوزون في المجتمعات الإنسانية من معاناة الجوع والعطش وآلام الفاقة فيذكرهم ذلك بحقوق المحتاجين عليهم, ويعودهم على حسن الرعاية لهم. وجاء في حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- "أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل, وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن, فلرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة. فشهر رمضان هو شهر التدريب على الجود والكرم والبذل في سبيل الله" رواه البخاري في صحيحه، وفي ذلك يقول رسول الله-صلى الله عليه وسلم: "من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء". رواه الترمذي ، وابن ماجه وصححه ابن حبان.
4- تذكير المسلمين بمدارسة القرآن الكريم.
5- تعويد المسلم على ضبط النفس والالتزام بمكارم الأخلاق لقول رسول الله: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه". أخرجه أحمد.
6- تعويد المسلم على الاجتهاد في العبادة بكل من فرائضها ونوافلها, فيجمع إلى الصلوات المفروضة عديدا من السنن التي منها صلاة التراويح وقيام الليل, ومدارسة القرآن, والتفقه في الدين وأداء العمرة إن استطاع إلى ذلك سبيلا.
7- تعريض المسلم لبركات ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن القرآن الكريم أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان في أول سنوات البعثة النبوية الشريفة , ثم أنزل بعد ذلك مفرقا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بحسب الوقائع على ثلاث وعشرين سنة.
8- إحياء روح الجهاد في أمة الإسلام وذلك بتذكيرهم بأن جميع انتصاراتهم العسكرية كانت في هذا الشهر الفضيل, ابتداء من غزوة بدر الكبرى إلى فتح مكة حتى معركة رمضان المباركة سنة 1393ه /1973م.
9- إتاحة الفرصة لجسد الصائم بأخذ فترة راحة استشفائية يتم خلالها إصلاح إعطابها والتخلص مما تجمع فيها من الدهون, والشحوم, والسموم, والنفايات على مدار السنة. هذا بالإضافة إلى ما ثبت للصوم من تأثير إيجابي على قدرات التفكر والتذكر, وتقوية جهاز المناعة في الإنسان.
10- تذكير المسلمين بحقيقة أنهم أمة واحدة لديها من عوامل التوحد ما لا يتوافر لغيرها من الأمم التي أدركت حقيقة أن الإنسان يعيش اليوم في عالم التكتلات البشرية الكبيرة فتوحدت, في الوقت الذي تسعى لمزيد من تفتيت المسلمين بعد أن قطعت أوصالهم في أكثر من (62) دولة ودويلة. وقد أدى هذا التفتيت للمسلمين إلى بعثرة إمكاناتهم المادية والمعنوية والبشرية, وإلى تخلفهم في جميع المناحي المادية للحياة. ولعل هذا الشهر الكريم أن يذكر المسلمين كلما مر بهم أنهم أمة واحدة فيبادروا بتجسيد ذلك أمرا واقعا.
أعاننا الله- تعالى – على حسن صيام رمضان وقيام ليله, ومدارسة القرآن الكريم فيه, وأداء حقوقه على الوحه الذي يرضي ربنا ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.